إلى رحمة الله

الرجل الصالح، العالم العامل

الشيخ غلام رسول خاموش الرئيس التنفيذي لجامعة ديوبند

 

بقلم : الأستاذ محمد أجمل القاسمي (*)

 

     غيّب الموتُ يوم 8/أكتوبر 2010 بعد عصر يوم الجمعة، الرجلَ الصالح العالم العامل الشيخ غلام رسول خاموش الرئيس التنفيذي للجامعة الإسلاميّة دارالعلوم بديوبند، إثر وعكة صحيّة أنهكت قواه وأدّت إلى فقر الدم في جسمه، إلاّ أنه رحمه الله لم يكن بحيث يُخاف عليه أنّه سيفارق الحياة، ومن ثَم كانت وفاته مفاجأةً صدمت قلوبَ مئات من المُعْجَبين به والمنتمين إلى الجامعة الإسلاميّة دارالعلوم/ ديوبند الذين لم يكونوا يتوقعونها في القريب العاجل.

     كان رحمه الله رجلاً صالحاً مخلصًا، مجدًّا حليمًا، ورعًا رحبَ الصدر، سليمَ دواعي القلب، ضابطاً للأوقات، متحليًا بالأخلاق الكريمة: الأمور التي جعلته شخصيّة يُحبّها الصغير والكبير والقريب والبعيد على حد سواء.

     كان رحمه الله من مواليد 1940م، وُلِد ببلدة معروفة في ولاية غجرات تُدعى «تشهابر» بمديرية «بناس كانتها» المتأخّمة على حدود ولاية راجستهان، التي تحتضن مدينة «بالنبور» مركز العلم والدين والدعوة ومسقط رأس العلماء والدعاة الكبار، وكان والد الفقيد يُعرف بلقب «خاموش» الذي أصبح فيما بعد لقبًا عائليًّا لأولاده على شاكلة الأسر الغجراتية.

     وقد تلقّى رحمه الله دراساته من ألفها إلى يائها في بلدته، ثم قاده حظه السعيد فيما بعد إلى باكستان، حيث هاجر إليها خاله لدى انفصالها من الهند، وكان من تلامذة العلامة الداعية المحدث الفقيه الأديب الخطيب الشيخ محمد يوسف البنوري رحمه الله، فأصبح ذريعة لوصول الشيخ «خاموش» إلى الشيخ البنوري ليتلمّذ عليه ويتخرّج في علم الحديث.

     ولما انتهى الشيخ غلام رسول خاموش من دراساته اتّجه إلى ممارسة مهنة التدريس والتجارة معًا، فدرّس إلى فترة لا بأس بها في مدرسة إسلامية بمدينة «مومباي» إلى مساهمته في تنمية أعماله التجارية، وقُدِّر له أن يؤدّي نشاطه الديني في أكثر من مجال فانضمّ إلى ركب جماعة الدعوة والتبليغ، وساهم في توجيه عباد الله إلى حياة الإنابة والتقوى، كما أقام علاقة الإصلاح والاستفادة من العلماء الصالحين الكبار، ونال الحظَّ الوافر من دعائهم وخدمتهم وثقتهم، وبما أنه رحمه الله كان تاجرًا صدوقًا أمينًا يتمتع بحسن الخلق وطيب الكلام فبارك الله في تجارته وطابت سمعته واتسعت أعماله التجاريّة بشكل غير منتظر.

     وبمرور الأيام أوجدت نفسه الطموح له أكثر من مجال، فلم تبق نشاطاته مقصورة على ما أسلفناه، وإنما ركّز جهوده على إدارة مدرسة دارالعلوم/ «جهابي» التي نهل من نبعها وتخرّج فيها، فقد كان عنصرًا قويًّا في الهيئة الإداريّة بالمدرسة بشكل غير رسمي، وأشرف على نشاطاتها المنوّعة عن كثب، وكان رحمه الله مخلصًا في مسعاه متطوعًا في خدمته، مجدًا في نشاطه، عاملاً في صمت وخفاء، يتحرك ويواصل جهده لتحقيق المصالح المدرسيّة، ولا يبالي أن إنجازاته تندرج في قائمة أعمال مدير المدرسة، وقد ظلّ يقوم رحمه الله بأعماله كعادته بعد وفاة مدير المدرسة زاهدًا في المنصب والسمعة، إلاّ أنه لما اُنتخب لعضوية المجلس الاستشاري لدارالعلوم بديوبند أُوكل إليه منصبُ المدير في المدرسة بشكل رسميّ.

     كان رحمه الله من أسرة دينيّة مثقّفة بثقافة إسلامية، ومن هنا كان الشيخ دائم الفكرة لإصلاح المسلمين، وكانت تربطه العلاقات القويّة مع جماعة الدعوة والتبليغ، يُشرف على برامجها ويشارك اجتماعاته ويسعى لصالحها حسب ما يمكن له، كما كان من العلماء المسؤولين عن مهام الجماعة وشؤونها ونشاطاتها في مقرها الكائن بـ«نظام الدين» بدهلي، ومركزها بمدينة «بومباي» الذي كان يحتل فيه أهميّة كبيرة. كما ساهم في تأسيس لجان هدفت إلى إصلاح المجتمع الإسلاميّ والحفاظ على عقائد المسلمين وأفكارهم وتجنيبهم الخرافات والأوهام، وسعى جاهدًا في سبيل ذلك ونجح في إيجاد جوّ ديني صالح في منطقته يميزها عن المناطق الأخرى في ولاية غجرات.

     كما أن الشيخ على شاكلة سلفه الصالح كان متضلِّعًا من التزكية والإحسان، مواظبًا في حياته اليوميّة على الأذكار والأدعية المأثورة في المناسبات المختلفة، ومشغوفاً بتلاوة المصحف الشريف والقيام في الليل، حريصًا على أداء الصلاة بالجماعة في الحل والترحال، ساعيًا لاتخاذ مكانه في الصف الأول، كما رُزق توفيق أداء الحج أوالعمرة في كل عام تقريبًا من أعوام حياته الأخيرة.

     أما اتصاله بالجامعة الإسلاميّة دارالعلوم بديوبند فهو يشكِّل عنوانًا بارزًا في حياته فقد انتخب عام 1409هـ لعضوية المجلس الاستشاري القائم على الجامعة، وسعى من خلالها لتطوير الجامعة من جهات شتى، وقد صدّق رحمه الله ظنّ أولئك العلماء الذين طرحوا اسمه ليكون عضوًا في مجلس الشورى. ورغم أنّ الشيخ خاموش لم يكن من الخريجين الرسميين في الجامعة إلا أنه لأجل حبه الصادق لها والإخلاص المتناهي تجاهها وحرصه الزائد على رفع المستوى الإداري والتعليمي لها عُيِّن رئيسًا تنفيذيًا لها عندما استثقل الشيخ مرغوب الرحمن رئيس الجامعة حفظه الله أعباء مسؤوليات الجامعة لأجل تقدمه في السن. وقد أدّى الشيخ خاموش المهام الموكولة إليه بطريق أحسن فقد كتب بعض المترجمين عنه الذين عملوا تحت إشرافه وإدارته: «ضخّ الشيخ غلام رسول خاموش في فترة إدارته لدارالعلوم نشاطاً في الأقسام المختلفة التابعة لها، فكان يشرف على أعمالها عن كثب، ويزورها في حين لآخر، ويستعرض النشاطات، ويُصدر ما يناسب من التوجيهات ويشيد بما يليق بالإشادة، ويحرّض العاملين وينمي فيهم روح الإخلاص والجد، فمن كلمته التي يُكثر تردادها أمام العاملين: «اعملوا لحد التفاني لصالح جامعتكم و واصلوا العمل إلى عتبة الموت وليضمَّ جثمانكم تراب المقبرة القاسميّة».

     وكان رحمه الله يراعي الصغير والكبير ويستمع إلى مشاكله ويبحث عن الحل بجديّة وكان صافي القلب صريحَ اللسان، لايحابي فيما يفرضه عليه وظيفته، ورعًا منيبًا إلى الله، يصدر في أعماله عن حلم ورزانة، ويبتعد عن التسرّع والعاطفية.

     فقدت الجامعة بوفاته رجلاً مخلصًا من رجالها المخلصين الأوفياء الساعين لتبني أهدافها. وقد صلى عليه بالناس نجله الشيخ نظام الدين صباح 9/أكتوبر 2010م. وذلك في الجزء المسمى بـ«إحاطة مولسري» بالحرم الجامعي، وقد حضر الصلاة عليه مشايخ الجامعة وطلابها وكثير من أهالي المدينة. ووُرّي جثمانه في مثواه الأخير بالمقبرة القاسمية.

*  *  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، ربيع الأول 1432 هـ = فبراير 2011 م ، العدد : 3 ، السنة : 35

 



(*)     أستاذ بالجامعة القاسمية مدرسة شاهي بمدينة «مراد آباد» الهند.